الجمعة، 6 نوفمبر 2009

نقطة نظام فنية




كثيراً ما أجدني متورطاً في موقف كهذا: أشاهد فيلماً، ويكون رأيي فيه أنه فيلم مقبول، يستحق المشاهدة، لأن به من المميزات كذا وكذا، لكنه للأسف يعاني من مشكلات كذا وكذا.. ثم أقابل صديقاً شاهد الفيلم نفسه، فأسأله عن رأيه، فيرد بمنتهى القطعية والحدة "زبالة"! أو يرد بمنتهى الاندفاع والحماس "تحفة"!
رغماً عني أتورط في نقاش مع الصديق حول الفيلم، أحاول أن أبين له فيه مدى تطرف رأيه، فالفيلم ليس "زبالة" أو ليس "تحفة".. مع انتصاف النقاش أجدني وقد اتخذت الطرف المقابل للصديق، أدافع عن الفيلم باستماتة أو أهاجم عيوبه بشراسة، رغم أني لم أكن أبداً أنوي اتخاذ مثل هذا الموقف.. عندها أضطر لفرملة عجلة الجدال، وأكتفي بالإيماءات والهمهمات، حتى أتخلص من عبء الهجوم أو ضغط الدفاع عن عمل كنت محايداً بشأنه.
الواضح أننا بشكل عام نميل للأحكام القاطعة، حيث يتصور كثيرون أن التقييم المتوازن يعني بالضرورة عدم وضوح الرؤية، أو أن ذكر المميزات والعيوب في رأي واحد دليل على الارتباك، أو أن كلمة "لكن..." لا تليق إلا بالمتنازلين عن ثوابتهم أو المتراجعين عن مبادئهم أو الواضعين للعلاقات والحسابات الشخصية مكاناً بارزاً نصب أعينهم.. مع أن "لكن.." هذه كلمة في غاية الروعة، تتيح لمستخدمها فرصة عظيمة ليصبح شخصاً موضوعياً.
بغض النظر عن أن ميلنا للأحكام القاطعة المتطرفة، مسألة تتعلق بكل شئون حياتنا على جميع المستويات، بدءاً من الدين والسياسة، ونهاية بكرة القدم.. فإن ما يعنيني هنا، أن تقييم الأفلام لا يجب أبداً أن يخضع لمثل هذا الأسلوب في الحكم.. أذكر عندما عملت مع صديقي، المحلل السينمائي "علاء كركوتي"، في مجلة "سينما أون لاين" قبل ست سنوات، كنت منبهراً بالفكرة التي اقتبسها من المطبوعات السينمائية الأجنبية، وهي استخدام خمس نجمات لتقييم الأفلام إضافة للمقال النقدي، نجمة واحدة تعني أن الفيلم ضعيف، ونجمتان تعني أنه مقبول، وثلاثة جيد، وهكذا.. انبهرت لأنه أسلوب يجبرني على الموضوعية، فهناك خمس درجات مختلفة لتقييم أي فيلم، وليست درجتان فقط، ومعنى أن فيلماً استحق نجمتين فهو بالتأكيد يحمل بعض المزايا أكثر من الفيلم ذي النجمة الواحدة، وبه مشاكل أكثر من الفيلم ذي النجمات الثلاثة.. وعندما عملنا على مشروع مجلة "جود نيوز سينما" قبل أربع سنوات، طورنا النجمات الخمس إلى عشر درجات، حيث كانت قناعتنا أن أطياف الضعف والإجادة تستحق أن يتم إظهارها بوضوح، فقد يكون الفيلم ضعيفاً فيحصل على درجتين، لكن إذا كانت به بعض المزايا كأداء ممتاز من ممثل، أو تتابع متقن في المونتاج، فإنه يستحق درجة ثالثة، وفي المقابل إذا كان الفيلم رائعاً ومن المتوقع أن يحظى بإعجاب كل أنواع المشاهدين عبر العصور فهو يستحق الدرجات العشرة، أما إذا كان رائعاً لكنه صعب الهضم على بعض فئات المشاهدين مثلاً، فتسع درجات تكفيه.. وطبعاً فإن الناقد صاحب الدرجة، عليه أن يوضح في مقاله ما يعبر عن هذه الدرجة المحددة بدقة، فالمسألة ليست مجرد "فيلم حلو أوفيلم وحش والسلام".. أتصور أن أي نقاش بين اثنين حول أي فيلم، لايجب أن يبدأ بسؤال "ايه رايك في الفيلم؟" بل أن يبدأ كالتالي: "تديله كام من عشرة؟"، فمساحة التقييم الواسعة، تجبر أي شخص على التفكير المتأني والموضوعي قبل أن يصدر حكمه.

هناك 3 تعليقات:

Farmawan يقول...

أوافقك الرأي تماما يا وائل.فإنه أحيانابعد مشاهدة بعض الأفلام في السينيما، اراه "تحفه" أو "زبالة" إجمالا، متجاهلة بعض التفاصيل التي تستحق وقفة ولو قصيرة، هذه الوقفة تجعل تفصيلة معينة ترفع من شأن الفيلم أو تقلله، ولا أدرك مثل هذه التفاصيل إلا بعد المشاهدة الثانية، أو الثالثة، أو حتى أكثر من ذلك، لأن المشاهدة الثانية وفي أغلب الأحيان الثالثة يقعان تحت تأثير الإنطباع الأول. ثم بعد تلك المشاهدات أتساءل: كيف كنت أراه؟ أو كيف كنت أراه زبالة؟!!

ola_barakat يقول...

صح كلامك جدا لكن هذا لا يمنع ان هناك بعض الاعمال تظهر من اول مشهد لا نستطيع اكمال مشاهدتها او علي الاقل المشاهد العادي مثلي وليس الناقد الفني واحيانا احمد الله علي اني مشاهده عاديه ولست مضطره لمشاهده ما لا ارغب حتي اكون فيه رأيا ما او لكي اكتب عنه
اخر البرامج الامريكيه التي تابعتها برنامج للبحث عن المواهب واكثر ما اعجبني فيه هم الحكام الثلاثه الذين لا يجاملون احد ويتحدثون بموضوعيه شديده فلا يسفهون المتسابق ولا يعطونه امل كاذب بل يذكرون ما فيه من مميزات ومساوئ .
مشكله الشعب المصري انه لا يعرف سوي الابيض والاسود. معندوش الوان تانيه

رحاب صالح يقول...

انا مع علا جدا
ومتابعة نفس البرنامج يا علا وعجبني فعلا اسلوبهم في التقييم انهم بيقولوا للمتسابق مميزاته وعيوبه
انا عن نفسي شاهدت فيلم لمؤلف بحبه كتير ومن اول مرة شفت الفيلم معجبنيش وقامت خناقة بيني وبين صديق بسبب راي ده ,ضغطت علي نفسي وشفت الفيلم مرة تانيةوكان راي برضه زي ما هو مش عاجبني بس قلت لصديقي انه الكتابة شيء وتجسيد الفيلم سينمائيا شيء اخر يمكن تكون ضاعت خيوط الشخصية من البطل او خيوط الفكرة من المؤلف او رؤية المخرج والصورة يعني علي حسب ,علي عكس فيلم اخر وهو فيلم ملك وكتابة جمييييل جدا برغم اني بلاقي بعض اصحابي مش عاجبهم الفيلم ,لكن انا شايفة الحالة النفسية في الفيلم وحاسة بيها اكتر ,معاك حق استاذ وائل ان المفروض اننا مش نقيم الفيلم ب تحفة و زبالة لاء نعطيه كام من عشرة وبيتهيء لي انه ده احسن بكتييييييييير